مشكلات العمالة الوافدة في سلطنة عمان
العمالة الوافدة أو العمالة الأجنبية مصطلح يطلق على
العمال القادمين من خارج حدود الدولة للعمل لديها بحثا عن مستوى معيشي أفضل، ويشمل
هذا المصطلح الذكور والإناث. ومن أسباب استقدامها هي الحاجة الماسة لها في التقدم والرقي
بالمجتمع خصوصا في تطوير البنية التحتية نظرا للخبرة والامكانية التي لديهم. كما
أن أصحاب الأعمال يفضلون استجلاب العمالة الوافدة بكثرة في بعض المجالات كالبناء
والتشييد نظراً لقلة أجورهم.
وقبل الخوض في مشكلات وسلبيات العمالة الوافدة نذكر
بعضاً من ايجابياتها ألا وهي اسهامها الملحوظ في التقدم الصناعي، والاقتصادي،
والصحي، والتعليمي، وفي كافة المجالات الأخرى. وسد النقص في القوة العاملة الوطنية
في بعض تخصصات.
وكما هو ملاحظ في الفترة الأخيرة ازدياد أعداد العمالة
الوافدة في محافظات السلطنة، على سبيل المثال في محافظة مسقط بلغت نسبة العمالة
الوافدة 62% بينما نسبة العمانيين هي 38% من اجمالي السكان في المحافظة وهذه
الإحصائية تم حسابها في نهاية شهر مارس من العام الجاري – 2014 – من قبل المركز
الوطني للإحصاء.
اخترت شخصياً هذا الموضوع بسبب تكرار طرحه من قبل
الإعلام بكل وسائله في الآونة الأخيرة، بسبب كثرة الشكاوى عليه وضوح تأثيره على
كافة شرائح المجتمع، ودوره الكبير في إعاقة سياسة التعمين والبرامج المطروحة من
قبل الوزارات والهيئات لتنمية الموارد البشرية. وكما نشهد أن معدل التكاثر السريع
للعمالة الوافدة أصبع يفوق معدل تكاثر المواطنين العمانيين.
سوف يطرح هذا التقرير نموذج مصغر عن مشكلات العمالة
الوافدة بعد تصنيفها إلى مشكلات اجتماعية ونفسية، اقتصادية، وصحية.
تنتج عن العمالة الوافدة مشكلات كثيرة وهي تتنوع ما بين مشكلات اجتماعية ونفسية،
اقتصادية، وصحية. فيما يلي نذكر بعضا منها وهي كالتالي:
المشكلات الاجتماعية والنفسية:
1. تفشي الانحلال الأخلاقي نتيجة العادات السيئة الدخيلة أو امتهان البعض منهم
لمهن بعيدة عن الأخلاق والدين:
حيث نجد أن هناك فئة من العمالة الوافدة تعمد
إلى استخدام الأساليب والسلوكيات الغير سوية للمكسب المادي، كالإسهام في نشر
المخدرات وبيعها والترويج لها. وبيع المنتجات المنتهية صلاحيتها أو المعبئة بصورة
لا تتناسب مع شروط بيع المنتج في السوق الاستهلاكي.
2. تقليد الشباب لبعض العادات السيئة للعمالة الوافدة على سبيل المثال اللبس:
وهذا يهدد الزي العماني – أحد أهم رموز
الهوية الوطنية -وتقيّد الشباب به، فكما نرى في الآونة الأخيرة تهاون بعض الشباب
في الزي العماني مما يولد تركه شيئاً فشيئاً حتى الوصول إلى إهماله تماماً، أو
ارتدائه بطريقة غير مناسبة بسبب عناصر دخيلة لا تمت بصلة لتقاليدنا بحجة أنها
النمط الرائج حالياً (الموضة) وهذا بالطبع يعود إلى تصميم الأيادي الوافدة في
التصنيع.
3. وجود مخاطر مفزعة على الأطفال والأسر من قبل عاملات المنازل الوافدات:
مع كل الفوائد التي تقدمها عاملات المنازل،
هناك عدة مساوئ تؤثر على مدى عميق على الأسرة خصوصا على صغار السن منهم، فحديث
وتواصل العاملات المستمر معهم يهمش لغتهم العربية ويجعلها ركيكة كما يضعف نطقهم
للمفردات من الناحية اللغوية، أما من الناحية الدينية فقد تؤثر معتقدات العاملة
الدينية وأخلاقياتها على الصغار لاسيما إذا كانت من دين مغاير للإسلام. ومن
الناحية الاجتماعية والنفسية قد تتولد مشاكل نفسية كالانطواء والخجل الشديد
والعزلة لدى الأطفال نتيجة غياب الوالدين وكثرة جلوسهم مع العاملة مما قد يكتم
احتياجاتهم عن أبويهم لإحساسهم بقلة اهتمامهم.
4. تفاقم معدلات الجريمة بين صفوف العمالة الوافدة مثل (السرقة – الغش –
الاحتيال – الابتزاز – القتل – الاغتصاب – التزوير):
بسبب غياب الوازع الديني لدى أغلبية أفراد
العمالة الوافدة وانتشار حالات الفقر المدقع لديهم تعتبر الجريمة الوسيلة الأسرع
لاكتساب المال وحل أغلبية المشاكل كما أنها لا تكلفهم الكثير إذا لم يتم كشفها من
قبل الجهات الأمنية. وشكلت نسبة العمالة الوافدة 40% من جناة الجرائم الحاصلة في
مجتمعنا الخليجي على الصعيد العام، وبلغت 63% في مجتمعنا العماني على الصعيد
الخاص.
5. ادخال ظاهرة الانتحار في مجتمعاتنا حيث تتفشى هذه الظاهرة بين صفوف العمالة
الوافدة:
لأن أغلبية أفراد العمالة الوافدة لا يلجئ
إلى الهجرة إلا بعد فقد الأمل في العثور على عمل في موطنه، لذا حاجته الشديدة
للمال تقتضي عليه أن يهاجر ويترك بلاده، فإذا أُغلق عليه الطريق هنا أيضا فحلهم
الأمثل-بسبب غياب الوازع الديني -هو ترك هذه الحياة بكل ما فيها فيعتقدون أن الموت
سيخلصهم من المصاعب التي يعيشونها التي تكون أغلبها مشكلات اقتصادية أو مشكلات على
صعيد الأسرة في أوطانهم.
المشكلات الاقتصادية:
1. منافسة العمالة الوافدة للقوة العاملة الوطنية في سوق العمل:
من أبرز وأكثر المشكلات تأثيراً في المجتمع،
والمتأثرون هم فئة الباحثين عن عمل وأسرهم حيث يبلغ عدد الوافدين العاملين في
القطاع الحكومي 17266 وافد، بينما يبلغ عددهم في القطاع الخاص 1527241 وافد مقابل 181860
عماني وهذه الإحصائيات هي مؤشر واضح على هيمنة العمالة الوافدة على النسبة الأكبر
من وظائف القطاع الخاص في السلطنة. مما يزيد من تفاقم مشكلة البطالة لدى الشباب
العماني التي وصلت نسبتها إلى 8%.
2. زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة لبلدانها:
بلغ قيمة تحويلات العمالة الوافدة المالية من
عام 1975 إلى عام 2002 نحو 26 مليار دولار أي ما يعادل 10.5 مليار ريال عماني،
ووصل مقدار التحويلات في عام 2012 وحده، 3 مليارات ريال عماني أي ما يعادل 10% من
الناتج المحلي للسلطنة في ذلك العام، مما يساهم في رفع المستويات الاقتصادية
لبلدانهم والضغط على الموارد الاقتصادية في السلطنة.
3. زيادة الضغط على السلع والخدمات:
حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات
بدون مقابل أو مقابل رمزي زهيد بالإضافة إلى استفادتهم من الدعم المقدم من الدولة
لكثير من الخدمات كالتعليم والصحة، مما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة التي
تتكبدها الدولة.
4. زيادة الضغوط الدولية من قبل منظمة العمل الدولية أو المنظمات المعنية بحقوق
العمال:
كلما تزايدت أعداد العمالة الوافدة تزايدت مشكلاتهم، وهناك منظمات مختصة تعنى
بحفظ حقوق العمال كمنظمة العمل الدولية (ILO)، وتنظر هذه المنظمات في الامتناع عن دفع الأجور، الإجبار على العمل وقتا
إضافيا بدون دفع تعويض، بيئات عمل غير آمنة تفضي إلى الموت والإصابات، أوضاع
معيشية مزرية في مخيمات العمال، وكل هذه المشكلات بدأت بالتفاقم مؤخراً.
5. إعاقة برامج تنمية الموارد البشرية في ظل تزايد أعداد العمالة الوافدة التي
تقبل العمل بأجور متدنية:
تهدف جميع القطاعات في السلطنة إلى تنمية
مواردها البشرية والوصول إلى نسبة مرضية من التعمين إلا أن الكثير من أصحاب
الأعمال يبحثون عن الكفاءة في العمل وبسعر توفيري فيفضلون تعيين العمالة الوافدة
لجودتها وكفاءتها في العمل، وقبولها العمل بأجر أقل مما قد يطلبه العامل العماني،
مما يشكل عائق على الدولة عند القيام ببرامج وخطط تشجع سياسة التعمين في كافة
قطاعات السلطنة.
6. تعمل فئة كبيرة على حسابها بعد انتهاء عقودها أو عدم وجود عمل لدى الكفيل:
وبالتالي يظلون في الدولة بصفة غير نظامية أو
شرعية مما أدى إلى ظهور ظاهرة التستر على العمالة الوافدة من قبل المواطنين
للاستفادة منهم في الأعمال اليومية نظراً لزهد المقابل وصعوبة عملية استجلاب عامل
وافد من بلاده بصورة قانونية لأنها تحتاج مدة طويلة من الزمن مما يحوج المواطن
استخدام العامل الوافد لأنه متواجد ولن يكلفه أي مبلغ من المال.
7. السيطرة على أنشطة تجارية معينة في المجتمع مما يضيع كثير من فرص الكسب على
التجار المواطنين:
كما ذكر في السابق سيطرة العمالة الوافدة على
أغلبية الوظائف في القطاع الخاص، توجد هناك أيضاً سيطرة في بعض الأنشطة التجارية كمحلات
المستلزمات الشرائية، مما يقلل من جودة المنتجات المحلية الصنع في نظر المستهلكين.
8. اكتظاظ وازدحام الطرقات الشديد مما يعطل الأعمال:
بما أن أعداد سكان السلطنة في تزايد ملحوظ
أصبحت الطرقات والشوارع الحالية لا تتسع لجميع المركبات، مما يعطل سير العمل بسبب
التأخير مما يقلل إنتاجية الفرد الذي بدوره يؤثر على إنتاجية العمل، كما أنه وبسبب
الازدحام السكاني لا توجد مساحات كفاية لزيادة الطرقات. ولا ننسى أن ازدحام السير
هو أحد الأسباب الرئيسة للحوادث المرورية.
المشكلات الصحية:
1. قامت العمالة الوافدة بإدخال أنماط سلبية على المجتمع لم تكن معروفة سابقا
مثل الترويج للمخدرات:
يوجد 3 من بين كل 1000
مواطن عماني يتعاطون المخدرات حسب إحصائيات 2009 أي نسبة المتعاطين أقل من 1% وهي
نسبة قد لا تشكل خطراً عميقاً لكنها نسبة قابلة للارتفاع مع كثرة الترويج لها هذه
الأيام من قبل العمالة الوافدة، ناهينا عن عدد المتعاطين من الوافدين أنفسهم الذي
يشكل عددا أكبر من عدد المواطنين حسب تقارير الإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية بشرطة عمان
السلطانية.
2. في بعض المجتمعات نرى تسكين العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية التي
تتركز بها العائلات:
مما يسبب الكثير من المشاكل لهذه العوائل
كتجمعهم المستمر في الشوارع وبين المساكن وإصدارهم للأصوات المزعجة وعدم حفاظهم
على نظافة الحي أو المنطقة، بالإضافة إلى تحريض العاملات بتلك المساكن على
السلوكيات السيئة كالسرقة والهروب من المنزل.
3. وجود عدد كبير من الحالات المصابة بالأمراض كالسل والإيدز وغيرها من
الأمراض المعدية والتي تقوم بنقلها إلى أفراد المجتمع:
بسبب قدوم أغلب العمالة الوافدة من بيئات
ومناطق غير معقمة وغير نظيفة، لذلك يسهل انتقال المرض منهم وإليهم، وكما هو وارد
قد تكون تقاريرهم الطبية التي تخولهم للدخول تقارير غير حقيقة أي مزيفة تدعي بأنهم
لا يشكون من أي شيء بهدف إدخالهم دون الحاجة إلى فحصهم هنا.
الرأي الشخصي:
العمالة الوافدة تشكل جزء مهم في رفع الاقتصاد الوطني
حتى وإن كانت تؤثر عليه سلباً في بعض الأحيان، لذلك لا يجدر علينا إحلالها فجأة
إنما التقليل منها بمعدلات بسيطة شيئا فشيئا حتى نصل إلى غايتنا في التعمين، حتى
وإن كان هذا سيتحقق على مدى بعيد إلا أنه الحل الأنسب لإرضاء جميع الأطراف. لكن
مازلنا بحاجة للعمالة الوافدة نظراً لعزوف الشباب العماني عن العمل في بعض
القطاعات كقطاع البناء والتشييد وقطاع النظافة.
ومع تزايد مشاكل العمالة الوافدة وارتفاع نسبها إلا أن
الحلول لجميع هذه المشكلات في متناول اليد، فعلى الجهات المعنية بمتابعتهم
الاجتهاد قليلاً في تطبيق القوانين التي قد سنت، فهنا نرى أن القوانين موجودة وليست
هناك حاجة لقوانين جديدة كثيرة لكن التساهل في تطبيقها هو ما يولد هذه المشكلات وتفاقمها.
المراجع:
1. مقال من جريدة الشبيبة، بعنوان (انخفاض عدد العمانيين المقيمين
في مسقط الى 38 بالمئة من اجمالي سكان العاصمة)، نشر بتاريخ 4/5/2014.
2. مقال من جريد بيزنس آريبيان الإلكترونية، بعنوان (ارتفاع
العمالة الوافدة بالسلطنة)، نشر بتاريخ 1/2/2009.
3. مقال من جريدة الزمن، بعنوان (تقرير حكومي يحذر: %63 من
الجناة المسجلين بشرطة عمان السلطانية هم ” وافدون “)، نشر بتاريخ 8/8/2014.
4. مقابلة مع د. فاطمة بنت أحمد بن فرج الغساني، (حاصلة على دكتوراه في
علم الاجتماع).
5. المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.